هل تنظيم "القاعدة" قادر على تنفيذ هجوم آخر بحجم هجوم 11 سبتمبر؟ على ما يبدو فإن هذا التنظيم "الإرهابي" لم يعد يمتلك في الوقت الحالي خلايا نائمة في الولايات المتحدة لديها القدرة على إنجاز مثل تلك المهمة، أو حتى القيام بشن عملية على نطاق أصغر ضد هدف (رخو) كمركز تجاري على سبيل المثال. ولو كانت لدى "القاعدة" الإمكانية لشن هجوم على الولايات المتحدة لكانت قد قامت بذلك، إما في بداية الحرب على العراق، أو خلال الانتخابات الرئاسية الأميركية الأخيرة. وقضايا "الإرهاب" في أميركا بعد 11 سبتمبر اقتصرت على التحقيق مع بعض الأشخاص الساخطين أو الراغبين في تقليد "الإرهابيين"، والذين كانوا على استعداد فقط لتقديم الدعم المادي لـ"الإرهاب" وليس التخطيط للقيام بعمليات "إرهابية". علاوة على ذلك يمكن القول إن الجالية الإسلامية في الولايات المتحدة قد رفضت أفكار أسامة بن لادن وهو ما يحسب كإنجاز كبير لها. والتهديد الأكثر إلحاحاً الذي تواجهه الولايات المتحدة من تنظيم "القاعدة"، لا يأتي من داخل أميركا ولكن من خارجها. وتحديداً من الخلايا والمجموعات التابعة لـ"القاعدة والموجودة في أوروبا.
وقد أظهرت الهجمات الثلاث التي تم شنها على قطارات مدريد في 11 مارس من العام الجاري، والتي أسفرت عن مصرع 191 شخصاً من المسافرين على متن تلك القطارات، أن الجماعات الجهادية التي تستمد إلهامها من تنظيم "القاعدة" والموجودة في القارة الأوروبية، تمثل تهديداً حقيقياً.
ومثلما أنه لا يمكن تخيل وقوع 11 سبتمبر أخرى دون وجود خلية مثل "خلية هامبورج"، فإن أية هجمات "إرهابية "مستقبلية تهدد الأمن القومي الأميركي لن تكون ممكنة ربما، دون وجود رابطة أو نقطة وصل أوروبية قوية. فعلى سبيل المثال يمكن لأعضاء "القاعدة" الأوروبيين أن يتسربوا إلى داخل الأراضي الأميركية لشن هجوم على مستوى ذلك الذي وقع على قطارات مدريد، كما يمكن أن يقوموا بتفجير قنبلة نووية قذرة في المنطقة التجارية بلندن، وهو شيء لو حدث فسيكون له تأثير مروع على الاقتصاد العالمي، وبالتبعية على الاقتصاد الأميركي.
ونجاح أو فشل "القاعدة" في أوروبا هو الذي سيحدد مستقبلها في الغرب. وعلى رغم أنه لا يوجد هناك سوى عدد ضئيل من المسلمين الأميركيين ممن اقتنعوا بأيديولوجية "القاعدة"، فإن هذا لا ينطبق على أوروبا، التي يبلغ عدد المسلمين فيها 20 مليون نسمة. ويرجع ذلك إلى سبب مهم هو الإقصاء. فالمسلمون في أوروبا يواجهون قدراً من الإقصاء والتهميش، أكبر مما يواجهه نظراؤهم في الولايات المتحدة الأميركية. فالجزائريون في فرنسا، والباكستانيون في بريطانيا تتم معاملتهم على أنهم مواطنون من الدرجة الثانية، كما أنهم أقل اندماجاً في هذين البلدين من المسلمين في الولايات المتحدة الأميركية. ولكن معتنقي تنظيم "القاعدة" - باعتبارهم مواطنين في الاتحاد الأوروبي- لديهم قدر أكبر من حرية الحركة في أوروبا، كما يمكنهم القيام بزيارة دول أخرى في الغرب.
وهناك هجوم انتحاري وقع في إسرائيل يعطي مثالا على هذا التهديد. ففي 30 إبريل 2003، قام بريطانيان من الطبقة الوسطى ينحدران من أصول باكستانية بالدخول إلى مقهى شعبي يقع بالقرب من السفارة الأميركية في تل أبيب. وكان واحد منهما من معتادي حضور الاجتماعات التي تنظمها جماعة "المهاجرين" وهي جماعة بريطانية إسلامية تتعاطف بشكل عام مع أهداف تنظيم "القاعدة". وبمجرد دخولهما إلى المقهى، قام أحدهما بتفجير قنبلة ما أسفر عن مصرعه هو وثلاثة من رواد المقهى وجرح العشرات غيرهم، في حين ولى الرجل الآخر الأدبار. وكانت هذه أول مرة يقوم فيها مواطنون يحملون الجنسية البريطانية بشن هجوم انتحاري إرهابي داخل إسرائيل.
وإذا كان مثل هذا الهجوم قد نجح في إسرائيل، التي تمتلك نظاماً دفاعياً مضادا لـ"الإرهاب" هو الأكثر صرامة على مستوى العالم، فإنه يمكن بالتالي أن ينجح في الولايات المتحدة. ويشار في هذا السياق إلى أن "جون سي. ريد" الذي يطلق عليه "إرهابي الحذاء" والذي أخفق في تدمير طائرة أميركية كانت تقوم برحلة بين باريس وميامي في ديسمبر 2001 يحمل الجنسية البريطانية أيضاً. علاوة على ذلك فإن الإنذار من وقوع هجوم "إرهابي" في الولايات المتحدة الأميركية الذي تم في شهر يوليو من العام الحالي، كان سببه كلمه مؤداها أن ناشط "القاعدة" المعروف باسم "إلياس عيسى البريطاني" قد قام بتصوير المؤسسات المالية الأميركية في "نيويورك" و"نيوجرسي" قبل وقوع هجمات 11 سبتمبر.
وكما أنه يمكن تعريف الضوء بأنه عبارة عن موجة وذرة في ذات الوقت، فإنه يمكن قياساً على ذلك تعريف "القاعدة" الآن بأنها منظمة وحركة سياسية في نفس الوقت. فهذا التنظيم فقد كما هو معروف قاعدته ومعسكراته التدريبية في أفغانستان وهو ما أدى إلى تدمير كيانه كتنظيم. ولكن الحرب على العراق ساعدته على ترويج أيديولوجيته، أو بمعنى أصح حراكه الأيدلوجي.
وأهم الأدلة التي يمكن الاسترشاد بها للتدليل على زيادة جاذبية وقبول أيديو